الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعيإلى رضوانه .. اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه .. أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوى الله.. اتقوا الله عباد الله .. اتقوا الله حق التقوى فإنَّ بتقوى الله تتنزل البركات وتعم الرحمات
..عباد الله ..
امتدح الله تعالى في كتابه شهر رمضان بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ} .. وبيَّن أنَّ فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر، فاهتمَّ المسلمون بهذا الشهر العظيم واجتهدوا فيه بالعبادة من صلاة، وصيام، وصدقات، وعمرةإلى بيت الله الحرام وغير ذلك من أعمال البر والصلاح.
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم انتباه الناس إلى شهر رجب في الجاهلية، وتعظيمه وتفضيله على بقية أشهر السنة ورأى المسلمين حريصين على تعظيم شهر القرآن أراد أن يبين لهم فضيلة بقية الأشهر والأيام
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهر من الشهور ما تصوم في شعبان، فقال صلى الله عليه وسلم: (ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).
فإذاً أعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام، وتعرض الأعمال يوم الااثنين والخميس من كل أسبوع فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن ترفع أعماله إلى ربّ العالمين وهو صائم لأنَّ الصيام من الصبر وهو يقول:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
فشهر شعبان شهر عظيم عظمَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحري بنا أن نعظمه وأن يكثر من العبادة والاستغفار فيه تماماً كما جاء وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
في هذا الشهر ليلة عظيمة أيضاً هي ليلة النصف من شعبان عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: ( يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن
البدع والأحاديث الواهية عن ليلةالنصف من شعبان ..
- أولها: بدعة الصلاة الألفية وهذه من محدثات وبدع ليلة النصف من شعبان وهي مائةركعة تصلي جماعة يقرأ فيها الإمام في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات.. وهذه الصلاة لم يأتِ بها خبر وإنما حديثها موضوع مكذوب فلا أصل لهذا فتنبهوا عباد الله من البدع والضلالات ..
- من ذلك أيضاً تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة ونهارها بصيام لحديث: إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها .. هذا حديث لا أصل له .. هذا حديث لا أصل له ..فتنبهوا عباد الله ..
- من البدع أيضاً صلاة الست ركعات في ليلة النصف من شعبان بنية دفع البلاء ، وطول العمر، والاستثناء عن الناس، وقراءة سورة يس والدعاء ..فذلك من البدع والمحدثات المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام الغزالي في الأحياء: وهذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السادةالصوفية التي لم أرَ لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً من السنة إلاَّ أنه من عمل المبتدعة .
وقد قال أصحابنا أنه يُكره الاجتماع على إحياء ليلة من مثل هذه الليالي في المساجد أوفي غيرها .
قال الإمام النووي رحمه الله: صلاة رجب - صلاة الرغائب - وصلاة شعبان بدعتان منكرتان قبيحتان .
وعلى هذا يجب عليك عبد الله أن تعبد الله بما شرع لك في كتابه أو جاء مبنياً فيسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ..
وإياكم عباد الله ومضلات الأمور فإنَّ البدع ضلالات وطامات ولا يستفيد العبد منعملها إلاَّ البعد من الله تبارك وتعالى ..
فتفقهوا عباد الله في دينكم ..
فيوم الجمعة هو أفضل الأيام ..
وشهر رمضان هو أفضل الشهور ..
وليلةالقدر أفضل الليالي ..
والمسجد الحرام أفضل المساجد ..
وجبريل أفضلالملائكة ..
ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم هو سيد الأنبياء والمرسلين بل هو سيدولد آدم أجمعين ولا فخر
وقد أمركم الله بالصلاة عليه فقال عز من قائل: {إِنَّاللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَ سَلِّمُواْ تَسْلِيماً}... اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وارضى اللهم عن صحابته أجمعين عن الأربعة والعشرة والمبشرين وسائر الصحابةوالتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك ولطفك وجودك وكرمك ياأرحم الراحمين.
عباد الله .. {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بَالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِيْ القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعْلَكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
حكم تخصيص يوم النصف من شعبان بصيام:
اختلف أهل العلم فيتخصيص يوم النصف من شعبان بصيام على قولين:
الأول: يستحب تخصيصه بصيام، وبه قال بعض العلماء.
قال ابن رجب: «فأما صيام يوم النصف من شعبان فغير منهي عنه، فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر، وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه».
الثاني: لا يشرع تخصيصه بصيام، نص عليه جماعات من العلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فأما صوم يوم النصف مفردًا فلاأصل له، بل إفراده مكروه».
وقال الشاطبي في تعداده لأوجه البدع: «ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته».
وقال الشيخ ابن باز: «إن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم وليس له أصل في الشرع المطهر».
ويجاب عن حجة القائلين بمشروعية ذلك بجوابين:
أحدهما: أنَّ الأحاديث التي تروى في الصيام يوم النصف باطلة لا تصح بحال.
والثاني: أنَّ من كانت عادته صيام الأيام البيض فتستحب في حقه على عادته، أمَّا من لم يكن ذلك من عادته ثم صام ذلك اليوم بخصوصه ولأجله فلا يقال: إنَّه صام الأيام البيض؛ لأنَّه لم يصمه إلا لاعتقاده فضل النصف من شعبان دون غيره،
وخلاصة القول أنه لا يشرع تخصيص هذه الليلة بقيام مخصوص ولا مطلقٍ، ولكن لا ينكر على خصَّها بقيام في خاصة نفسه لاشتباه الأمر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما ليلة النصف فقد روي في فضلها أحاديث وآثار، ونقل عن طائفة من السلف أنَّهم كانوا يصلون فيها، فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدَّمه فيه سلف، وله فيه حجة، فلا يُنكر مثل هذا».
ادعاءات حول ليلة النصف من شعبان
ادعى أهل البدع والأهواء أمورًا يؤصلون بها بدعتهم في نفوس العوام، فزعموا أنِّ ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، وابتدعوا دعاءً سموه بدعاء ليلة النصف من شعبان وادعوا أنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم.
وقالوا: «اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محرومًا أو مطرودًا أومقترًا عليّ في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي واقتار رزقي، واثبتني عندك في أم الكتاب سعيدًا موفقا للخيرات».
ولا يعلمون أن ما كتبه الله على العباد هو ما علمه من الأسباب المفضية إلى مصائرهم، وعواقب أمورهم وخواتيم شئونهم مما يجري على سنته تعالى التي قال عنها: فلنتجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا. والحق أنَّ المراد بهذه الليلة "ليلة القدر".
وبه قال ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وأبو عبد الرحمن السلمي وعكرمة وقتادة وغيرهم من السلف.
وقوله تعالى في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرٌِ} [القدر:1]، وقوله هنا في سورة الدخان: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٌٍ} [لدخان:3] يوجب أن تكون هذه الليلة المباركة هي تلك المسماة بليلةالقدر.
وقوله تعالى في الآية التي بعدها مباشرة في سورة الدخان: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٌٍ} [الدخان:4] يكون مرجع الضمير عائدًا على الليلة المباركة التي هيليلة القدر.
وانظر إلى التناسب في الآيات بين آيات سورة الدخان والتي فيها قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٌٍ}، وسورة القدر التي فيها قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهٌَ} [القدر:4] أي: بأمر الله -عز وجل-،وقوله في سورة الدخان: {أَمْراً مِنْ عِنْدِنٌَ} [الدخان:5]، وقوله تعالى في سورةالقدر: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٌٍ} [القدر:4] تجد أنَّ التناسب والتقارب بهذه الصورة يوجب القول بأنَّ إحدى الليلتين هي الأخرى؛ لأنَّ القرآن كلام الله تعالى يفسر بعضه بعضًا ولا يتناقض.
قال ابن العربي -رحمه الله-: «وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر، ومنهم من قال: إنها ليلة النصف من شعبان وهو باطل؛ لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنٌُ} [البقرة:185]،فنصَّ على أنَّ ميقات نزوله رمضان، ثم عبر عن زمانه وهو الليل هاهنا بقوله: {إِنَّاأَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٌٍ} [الدخان:3]، فمن زعم أنه في غيره فقدأعظم الفرية على الله». [أحكام القرآن: 4-1690]
قال الشوكاني -رحمه الله-: «والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلةالمباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان؛ لأن الله سبحانه أجملها وبينها في سورة البقرة بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنٌُ} [البقرة:185]، وبقوله في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِالْقَدْرٌِ} [القدر:1]، فلم يبق بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ولا ما يقتضي الاشتباه [فتح القدير: 4-811]
وزعموا أنها الليلة التي حُوّلت فيها القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة. وهذا الزعم مبني على الظن؛ لأنَّ الروايات الصحيحة كما عند البخاري (ح4492) من حديث البراء أنَّه قال -رضي الله عنه-: (صلينا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا ثم صرفه نحو القبلة).
وقد هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- في ربيع الأول، وعلى ذلك فلا يمكن أن يُستدل منه على أنَّ القبلة قد حولت في شعبان فضلاً عن القطع بأنها كانت في ليلةالنصف من شعبان بالتحديد.
فما أحوجنا إلى أتباع الهدي النبوي ومخالفة الهوى والوقوف عند أوامر الشرع ونواهيه، وقدأكمل الله لنا الدين وأتم علينا النعمة، وواجب على كل مسلم أن يكون متبعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- متأسيًا به حتى يضمن بذلك سعادة الدنيا ونعيم الآخرة كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) [البخاري (7280)]
__________________